المميزات العامة للفن الأدبي لرؤيا يوحنا اللاهوتي

الميزة الاولى صيغة الكشف ان الفن الادبي الرؤيوي وان انتسب حيناً بعد حين الى رؤى يمتاز على الخصوص بالقول النبوي وهو قول من لدن الله يبلغه النبي بلاغ من سمعه من قبل او من يشعر به لوقته فان رجل الله في الأدب الرؤيوي هو بالأحرى رجل رؤيا فقد رأى السماء مفتوحة او حظي بنوع من الارتفاع أدخله الملأ الأعلى وآتاه أن يعاين أموراً ليس من العادة أن تدرك ولذلك يبلغ البلاغ في صيغة وصف وتفسير لما استشفه فالصورة تقدم على الكلام فلا يفسح في المجال للكلام الأ في سبيل تمثيل رمزي يقصد عادة ابراز معناه او استكماله بذلك الكلام

الميزة الثانية استعمال الرموز من طبيعة الأمور السماوية التي يراها رجل الرؤيا ان تكون من رتبة سامية لا قياس بينها وبين الانسان فمن الطبيعي اذاً ان يتعذر تمثيلها كما هي او أن تحدد تحديداً دقيقاً اذا اراد الكاتب ان يوحي عالم ذلك الذي يختلف عنا اختلافاً تاماً وعالم القدس الذي ادخله لا يستطيع الى ذلك سبيلاً الا بمحاولات متدرجة فيعبر عما يشعر به بتشبيهات فريدة في نوعها مؤثرة غريبة في بعض الاحيان يجد لها أمثلة كثيرة في التجليات التي وردت في الكتاب المقدس او في التمثيليات الدينية في العالم الاغريقي الشرقي او في طقوس العبادة والغاية من الرمزية هي ان تكشف ايضاً عن الطابع السري للبلاغ وعن اظهار ما لتبليغه من صفة الامتياز يزعم الأدب الرؤيوي بما فيه من الرموز والتلميحات بالأرقام والاعلانات في صيغة ألغاز انه يخاطب اناساً عارفين اذ لا يستطيع الوصول الى تفهم الأسرار الالهية سوى الذين دعوا الى ذلك وهكذا يوحي الكاتب ما لبلاغه من شأن عظيم وهو يثير في نفس القارئ اشد التشوق الى الاطلاع عليه

الميزة الثالثة موضوع الرؤئ ان الشعور الديني عند اليونانيين يبتغي على الخصوص معرفة الحقائق السامية او تأمل الأمور المثلى في حين ان الوحي في الكتاب المقدس يعلن تدبير الله والحضور الفعال للرب في كبد التاريخ وهذا الاعلان هو في الوقت نفسه دعوة الى اطاعة عمل الله غرض الارشاد في الأدب النبوي التقليدي مباشر ومن عادته ان يكون صريحاً فالأنبياء اذ يذكرون الشعب دعوته ومصيره السامي يعلنون ما يفرضه العهد بينه وبين الله في الوقت الحاضر وإحياء ذكرى عظائم الماضي الماضي يؤيد وصية الوفاء لله وغاية التبشير ببركات جديدة او الانذار بالعقوبات هي بعث العزم الفوري على الاصلاح الروحي والخلقي ان الحث في الأدب الرؤيوي على الوفاء او التوبة هو ايضاً جوهري ولكنه أقل وضوحاً لأول وهلة يتوقع ان تبلغ الرؤى أسرار التاريخ فهي تكشف عن السياق الذي لا هوادة فيه للمراحل الأخيرة لتدبير الله وهي تشير الى قدوم العهد الجديد وما يمهد له على نحو خفي عجيب وتضيء للمؤمن ليعرف حقيقة ما ترتهن به تقلبات الحاضر ولكن مثل هذا الكشف يقوم مقام تنبيه فانه يحفظ رجاء المضطهدين وينعش شجاعة الفاترين ويدعو الضالين الى التوبة وان التوبة والوفاء في الوعظ النبوي هما شرط استمرار العهد واما في الرؤيا فان الكشف عن نصر الله آخر الأمر يتضمن وصية الثبات والدعوة الى التأهب

الميزة الرابعة موضوع الاستعجال وتقديم التاريخ وانتحال الأسماء يظهر البلاغ الوارد في الرؤى بمظهر الأمر القريب الوقوع على نحو أشبه بالقول النبوي ولكن بطرق أخرى فان القارئ يدعى الى تحسس دنو يوم الرب الدينونة ويشار الى هذا الدنو بطرق اكثرها شيوعاً في الاستعمال هي تقديم تاريخ الأمور المكشوف عنها ونسبتها الى اسماء منحولة يقال ان هذه الأمور كشف عنها في الماضي لشخص مشهور وتناقلتها بعدئذ سلسلة من العارفين وعثر عليها على نحو عجيب يمكننك على سبيل المثال رؤيا باروك وسفر أسرار أخنوخ وارتفاع موسى والسفر الرابع لعزرا وما يزعم من ان أصلها قديم باهر يؤكد عظم شأنها وهو يمكن صاحبها من ان يلون بلون المستقبل سيرة تاريخية تمت بالحقيقة يوم نشر البلاغ ولما كانت الأحداث التي وقعت لعهد قريب ترد في رموز شفافة محكمة الصنع بين العلامات الأخيرة لقدوم النهاية يسوغ للقراء الذين يحسنون حساب التواريخ ان يتوقعوا مشاهدة الأبرار وعقاب الفجار بعد وقت قليل والغاية من هذا الاعلان واضحة فان اقتراب عهد النهاية يجعل للحاضر شأناً عظيماً فهو يغذي الحماسة ويشجع على اتخاذ الالتزامات الفورية

الميزة الخامسة تفسير العالم والتاريخ ينظر الوعظ النبوي الى سير التدبير الالهي في اثناء وقت متواصل المرور وفي ميدان مصير الشعب المختار في التاريخ في حين ان الأدب الرؤيوي يفترض قطيعة تصل الى الجذور بين العهد الحاضر وقد سمته الخطيئة وهو تحت وطأة قوى الشر وبين المستقبل الذي فيه يتم النصر المطلق لله ولمختاريه سيعقب الحاضر وهو عهد نزاع ومحنة ظهور حاسم ولا نهاية له للنظام الالهي ليس تحقيق ذلك من باب المصادفة ولا يرتبط بتفاعل الارادات البشرية لأن الله وحده سيد التاريخ وديانه والكون بأسره معني بمجيء ملكوت الله فان النظرة الى نهاية الأزمنة تمتد على قدر الخليقة نفسها مثل هذه النظرة هي نظرة تشاؤم في الوقت نفسه هي نظرة تشاؤم لأنها تلح في زوال العالم الحاضر وفساده وهي نظرة تفاؤل لأنها توكد نصر الله آخر الأمر وان ظهر أن الشر منتصر انها تنشط على وجه خاص في ايام الأزمنة علماً بأن المؤلفات أنشئت في عهود الاضطهادات

اعداد الشماس سمير كاكوز